الكلمة.. رحلة

(الأخ (الفيل

د. خالد بن إبراهيم العواد

عضو مجلس الشورى

يحكى أن مجموعة من الهنود الحمر كانت في غابة لفَّها الظلام الدامس، فهم لا يكادون يرون أي شيء سوى أن علاقتهم بالغابات طويلة، تجعلهم يستخدمون الحواس الأخرى عدا النظر في سيرهم في الغابة.. في ذات يوم وفي مكان واحد وقعت أيديهم على شيء لم تعرفه حواسهم من قبل، كان ذلك (فيل) عظيم لم يروه من قبل. قال أحدهم وهو ممسك برجل الفيل: هذا جذع شجرة، وآخر ممسك بذيله قال: هذا حبل، وممسك بخرطوم الفيل قال: هذه أفعى، وممسك بأذن الفيل قال: هذه أوراق شجرة.. كل واحد منهم وبمخزون خبراته في عقله أصدر حكمًا على هذا الكيان الذي حكمت عليه حواس اللمس لديهم تفسيرًا لشكل جديد ساهم في تحديد كنهه الخبرات الذهنية لكل واحد منهم منفصلًا!!

لن أسترسل طويلًا في وصف القصة فهي شهيرة ومعروفة، إلا أن هذا السلوك وطريقة التفكير ذاته قد تنطبق على حالنا في الأمور غير المحسوسة.. وهنا نبدأ نصف الأشياء التي تواجهنا باستخدام بعض حواسنا ومنها نطلق الأحكام، ونخط البرامج، وندير شؤوننا.

بدا لي ذلك وأنا أرقب سلوكًا عامًا لدى بعض الأفراد في حياتهم اليومية، سواءً الخاصة منها، أو فيما يقومون به من أعمال مع الآخرين. فعندما يكون لدينا عمل يجب أن ننجزه جماعيًا مثل: إصلاح التعليم، أو تطوير برامج، أو تنمية اقتصادية نتحول مثل (أصحاب الفيل) كل واحد منا ينظر إلى الموضوع من زاويته فقط، وقليل ما هم الذين يوقدون الشموع ويضيئون الأنوار من أجل معرفة الموضوع بوضوح كامل، ونادرًا جدًا من يقوم بعد ذلك بأن ينظر أمامه لمعرفة الطريق وكنهه،أو معرفة الوجهة المرادة، وإلى ماذا نريد أن نصل. فبعد التشبث بالمواقف والآراء يدفع كل منا بهذا (الفيل) إلى وجهه يظن أنها الوجهة الصحيحة دون بذل جهد لمعرفة ما أمامه، وماذا تريد المجموعة لا ماذا يريد هو فقط!! النتيجة طبعًا (الفيل) يدور في كل مكان وفي مساحة مكانية صغيرة، وينهك لحد السقوط.. وأصحاب (الفيل) يتشاجرون ويكيدون لبعض ويدبُّ الصراع والخلاف بينهم. الأخ (الفيل) مرتاح لا يقوم بعمل أي شيء إلا أنه يحمد الله أنه فيل وليس مسؤولًا يتشاجر مع البقية!!

إذًا، علينا من أجل الاستفادة من (الفيل) وتوظيفه لخدمتنا أن نعرف أولًا هذا الفيل (الخطة، أو البرنامج، أو المشروع، أو المؤسسة) وقد نحتاج إلى تنشيطه وتزويده بمساندات للقيام بالمهمة المطلوبة منه. وعلينا، أولًا، أن نبني ونصمم برنامجًا صحيحًا وسليمًا ومناسبًا، وثانيًا أن نبني القدرات البشرية لتكون احترافية ومهنية، ليعرف كلٌّ دوره، ويعرف أنه ضمن مجموعة عمل لا أن يكون حاله مثل أصحاب الفيل هنا.

كذلك لابد أن نعرف ماذا نريد، وإلى أين سنذهب، وما المطلوب منا إعداده قبل الرحلة (الإصلاح، أو التطوير، أو التشغيل)، وما علامات الطريق أمامنا، وكم نحتاج من الوقت.. وإلا سيكون حال مشروعنا مثل أصحاب الفيل كلٌّ يشده إلى اتجاه اعتقادًا من كل واحد منهم أنه يعرف الطريق وغيره لا يعرفون. ولولا أنه فيلٌ عظيم ويصعب تمزيقه بالشد والشد المعاكس (مثل حالات مؤسستنا الحكومية ذات الجلد السميك، والعظم الكبير، واللحم الوفير) لتقطع إربًا إربًا. نعم يبقى الفيل غير ممزق، وسوف تبقى وزاراتنا ومؤسساتنا غير ممزقة، لكنها مثل (الفيل) لن تتحرك في الاتجاه السليم بسبب الشد والشد المعاكس، وهي كما (الفيل) رابضة لا تتحرك!!

نعم، مشكلتنا، بل أم مشاكلنا، هي طرائق تفكيرنا وسلوكنا فيما بيننا، وأحادية نظرة كل واحد منا، فلا البدايات صحيحة، ولا النهايات سعيدة ولا ما يفعل به بين البداية والنهاية سليم.. وسنبقى في كثير من أعمالنا (مكانك رواح) والله لا يغير علينا!! وكما قيل في المثل العالي المدجين (بكسر الجيم) «لا تحرك ساكن ثم يتوطاك (الفيل)!!».